الخميس، 30 أكتوبر 2014

فصل احلام الاف ام و محافظات مصر المتوسطة

كنت أقطن احد عواصم المحافظات و لكنها كانت بالنسبة لي مأساة فأنا بحكم سنين نضوجي كنت كالكثيرين من أبناء هذا الزمن من عشاق الراديو او المذياع فالتليفريون ينهي برامجه عند الثانية عشر او الواحدة و انا من عشاق السهر فلم يكن يؤانس وحدتي غيره فهو يسهر و يسهر و لا ينتهي و بدأت أدون ارقام الموجات المختلفة و بخاصة الموجات القصيرة التي كانت تاخذني بلا حدود الى كل أنحاء العالم
كان صوتها يأتي و يذهب و يتماثل مع ذهابه و رواجه مع أمواج البحر بل من الممكن ان تقتنع تماماً لولا علم الفيزياء الذي درسناه ان أمواج الصوت تنقل معها أمواج البحر إلينا عبر هذا المذياع
و كنت من هواة سماع البرنامج الموسيقي و بخاصة موسيقاه الخفيفة التي تبدأ مع منتصف الليل تماماً
لم افهم يوما المقامات و لا الدو الكبير و لا الدو الصغير كما كانت مذيعات و مذيعي البرنامج يقدمون السيمفونيات مع أني كنت احبها ايضا و لكن عشقي كان هذه الموسيقي الخفيفة المستوحاة من بعض الأغاني الأجنبية بالاضافة الى إبداعات بعض الملحنين و انا شخص من النوع الذي يسمع كل انواع الموسيقى التي يقولون عنها حرام

و كم كانت صدمني كبيرة و انا في الثانية عشر من عمري عندما توقفت القناة عن بث الموسيقى بسبب وفاة احد الرؤساء لعدة ايام و لمت نفسي كثيراً كيف لم أسجل او احفظ بعض هذه الموسيقى على شرائط الكاسيت التى كانت في أوج انتشارها و لكن لم يدم عزها كثيراً كيف لم احفظها حتىً تنجدني من وحدتي في كل مساء
كيف لم أسجل شريط او اثنين يأخذون تفكيري في اتجاه واحد و يوقفون الصراعات و لأفكار المتلاطمة في راسي و التي تمنعني من النوم يوميا في تلك الأيام و في كثير من أيامي الان و مثلما انا ساهر الان من اجل تدوين هذه الأفكار التي ربما لن يقرأها إنسان .

و منذ وفاة هذا الرئيس أيقنت انه طالما هذه الموسيقى تتدفق عبر هذا المذياع الى أذني فالأمن مستتب و الأمور مستقرة و توقف هذه الموسيقى او تغير البث الإذاعي او تغيير طبيعته تعني كل المشاكل كنت استمع الى البرنامج الموسيقي حتى الواحدة و النصف صباحا و من ثم انتقل  الى البرنامج العام لاستمع الى النشرة الاخيرة  و اطمئن و ادخل من بعده في صراع كل يوم و احاول النوم بعقل طفل ينتقل الى الشباب و قد أعود بعدها الى البرنامج الموسيقي او اكمل مع البرنامج العام و من كثرة الحب ترسخت عادة تخلصت منها فقط بعد الزواج و هي ان اترك المذياع مفتوحا يصدح طوال الليل و اصحو و أنام و انا مطمئن كما أخبرتكم لماذا ففي زمن من الأزمان كان نجاح ثورة او انقلاب هو ان تسيطر على مبنيين وزارة الحرب او الدفاع و دار الإذاعة و طالما ليست هناك بيانات جديدة و لا اسماء جديدة في البث الليلي فلا حديد في الأفق يبقى الحال على ما هو عليه .

و يظل مذياعي مفتوحا طوال الليل بصوت خافت على الرغم من ان هذا كان يزعج شقيقي الذي يشاركني الغرفة و لكن كان نوع من الإدمان و كم كانت فرحتي عندما بت ذات ليلة بحجة المذاكرة الجماعية التي لم تتحول الى مذاكرة أبدا و وجدت والده عنده نفس العادة الراديو المفتوح طوال الليل و لكن بصوت عال تسمعه من كل الغرف الاخرى في المنزل ربما بحكم سلطته الأبوية فيفرض على الجميع الاستماع.

كان البرنامج الموسيقى و البرنامج العام هي الخيارات المتحة في ايام الشتاء و المدرسة و الكلية اما في الصيف و مع زيادة وصول الموجات و الأمواج فكان التنقل بين إذاعات الدول و السهر حتى أوقات متأخرة للاستماع و اكتشفت مؤخراً ان كثيراً من الأصدقاء اصحاب الرأي كانت لديهم نفس العادة و لكن لم يخبر احدنا يوما الاخر

استمعت لكل أغاني الشيخ امام من إذاعة الجزائر و كل أغاني ميادة الحناوي الممنوعة وقتها من البث في مصر في اذاعة سوريا و الأردن و العراق و جريت خلف كل أغاني الفيروزة في إذاعات لبنان و كل الدول حيث ان الإذاعة المصرية و بسبب الكسل من عامليها لم تكن تبث الا اغنية او اثنتين لهذه الفنانة العظيمة .

و لكن انا لم أخبركم عن المأساة التي تحدثت عنها منذ بضعة سطور فسكان المحافظات المتوسطة الغير كبيرة و احيانا الشاسعة المتطرفة سيناء او البحر الاحمر سأكمل حديثي هنا غدا